SYARAT-SYARAT
JADI PEMIMPIN (IMAM) DI SISI MAFATIH AL-GHAIB
الْحَادِيَةَ
عَشْرَةَ: فِي شَرَائِطِ الْإِمَامِ، وَهِيَ أَحَدَ عَشَرَ:
الْأَوَّلُ: أَنْ
يَكُونَ مِنْ صَمِيمِ قُرَيْشٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ) .
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الثَّانِي: أَنْ
يَكُونَ مِمَّنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ
مُجْتَهِدًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى غَيْرِهِ فِي الِاسْتِفْتَاءِ فِي الْحَوَادِثِ،
وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ ذَا خِبْرَةٍ وَرَأْيٍ
حَصِيفٍ بِأَمْرِ الْحَرْبِ وَتَدْبِيرِ الْجُيُوشِ وَسَدِّ الثُّغُورِ
وَحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَرَدْعِ الْأُمَّةِ وَالِانْتِقَامِ مِنَ الظَّالِمِ
وَالْأَخْذِ لِلْمَظْلُومِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَا تَلْحَقُهُ
رِقَّةٌ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَلَا فَزَعٌ مِنْ ضَرْبِ الرِّقَابِ وَلَا
قَطْعِ الْأَبْشَارِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ
مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُجْتَمِعًا فِيهِ، وَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي
يُوَلِّي الْقُضَاةَ وَالْحُكَّامَ، وَلَهُ أَنْ يُبَاشِرَ الْفَصْلَ وَالْحُكْمَ،
وَيَتَفَحَّصَ أُمُورَ خُلَفَائِهِ وَقُضَاتِهِ، وَلَنْ يَصْلُحَ لِذَلِكَ كُلِّهِ
إِلَّا مَنْ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ كُلِّهِ قَيِّمًا بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ حُرًّا، وَلَا خَفَاءَ بِاشْتِرَاطِ حُرِّيَّةِ
الْإِمَامِ وَإِسْلَامِهِ وَهُوَ السَّادِسُ.
السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا،
سَلِيمَ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ الثَّامِنُ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ
لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إِمَامًا وَإِنَ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ كَوْنِهَا
قَاضِيَةً فِيمَا تَجُوزُ شَهَادَتُهَا فِيهِ.
التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ: أَنْ
يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ.
الْحَادِي عَشَرَ: أَنْ
يَكُونَ عَدْلًا، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
أَنْ تُعْقَدَ الْإِمَامَةُ لِفَاسِقٍ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَفْضَلِهِمْ
فِي الْعِلْمِ، لِقَوْلِهِ عليه السلام: (أئمتكم شفعاؤكم فانظروا بِمَنْ
تَسْتَشْفِعُونَ) . وَفِي التَّنْزِيلِ فِي وَصْفِ طَالُوتَ:" إِنَّ اللَّهَ
اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة: 247] فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقُوَّةِ
وَسَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ. وَقَوْلُهُ:" اصْطَفاهُ" مَعْنَاهُ
اخْتَارَهُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَرْطِ النَّسَبِ. وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ
يَكُونَ مَعْصُومًا مِنَ الزَّلَلِ وَالْخَطَأِ، وَلَا عَالِمًا بِالْغَيْبِ،
وَلَا أَفَرَسَ الْأُمَّةِ وَلَا أَشْجَعَهُمْ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي
هَاشِمٍ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ قد انعقد
على إمامة أبي بكر وَعُثْمَانَ وَلَيْسُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.
الثَّانِيَةَ
عَشْرَةَ: يَجُوزُ نَصْبُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ خَوْفَ
الْفِتْنَةِ وَأَلَّا يَسْتَقِيمَ أَمْرُ الْأُمَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ
إِنَّمَا نُصِبَ لِدَفْعِ الْعَدُوِّ وَحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَسَدِّ الْخَلَلِ
وَاسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَجِبَايَةِ الْأَمْوَالِ
لِبَيْتِ الْمَالِ وَقِسْمَتِهَا عَلَى أَهْلِهَا. فَإِذَا خِيفَ بِإِقَامَةِ
الْأَفْضَلِ الْهَرَجُ وَالْفَسَادُ وَتَعْطِيلُ الْأُمُورِ الَّتِي لِأَجْلِهَا
يُنَصَّبُ الْإِمَامُ كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا ظَاهِرًا فِي الْعُدُولِ عَنِ
الْفَاضِلِ إِلَى الْمَفْضُولِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا عِلْمُ عُمَرَ
وَسَائِرِ الْأُمَّةِ وَقْتَ الشُّورَى بِأَنَّ السِّتَّةَ فِيهِمْ فَاضِلٌ
وَمَفْضُولٌ، وَقَدْ أَجَازَ الْعَقْدَ لِكُلٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِذَا أَدَّى
الْمَصْلَحَةَ إِلَى ذَلِكَ وَاجْتَمَعَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ
إِنْكَارِ أَحَدٍ عَلَيْهِمْ، وَاللَّهُ أعلم.
الثالثة عشر: الْإِمَامُ إِذَا
نُصِّبَ ثُمَّ فَسَقَ بَعْدَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: إِنَّهُ
تَنْفَسِخُ إِمَامَتُهُ وَيُخْلَعُ بِالْفِسْقِ الظَّاهِرِ الْمَعْلُومِ،
لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا يُقَامُ لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ
وَاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَحِفْظِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْمَجَانِينِ
وَالنَّظَرِ فِي أُمُورِهِمْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ،
وَمَا فِيهِ مِنَ الْفِسْقِ يُقْعِدُهُ عَنِ الْقِيَامِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ
وَالنُّهُوضِ بِهَا. فَلَوْ جَوَّزْنَا أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا أَدَّى إِلَى
إِبْطَالِ مَا أُقِيمَ لِأَجْلِهِ، أَلَا تَرَى فِي الِابْتِدَاءِ إِنَّمَا لَمْ
يَجُزْ أَنْ يُعْقَدَ لِلْفَاسِقِ لِأَجْلِ أَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ مَا
أُقِيمَ لَهُ، وَكَذَلِكَ هَذَا مِثْلُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَنْخَلِعُ
إِلَّا بِالْكُفْرِ أَوْ بِتَرْكِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ أَوِ التَّرْكِ إِلَى
دُعَائِهَا أو شي مِنَ الشَّرِيعَةِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ
عُبَادَةَ: (وَأَلَّا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ [قَالَ ] إِلَّا أَنْ تَرَوْا
كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فيه برهان)
وَفِي حَدِيثِ
عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ: (لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ) الْحَدِيثَ.
أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ
فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ
سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ- قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا
نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ:- لَا مَا صَلَّوْا (. أَيْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ
وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ. أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:
وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْلَعَ نَفْسَهُ إِذَا وَجَدَ فِي نَفْسِهِ نَقْصًا
يُؤَثِّرُ فِي الْإِمَامَةِ. فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَجِدْ نَقْصًا فَهَلْ لَهُ أَنْ
يَعْزِلَ نَفْسَهُ وَيَعْقِدَ لِغَيْرِهِ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، فَمِنْهُمْ
مَنْ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَنْخَلِعْ
إِمَامَتُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ. وَالدَّلِيلُ
عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا عَزَلَ نَفْسَهُ انْعَزَلَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَقِيلُونِي أَقِيلُونِي. وَقَوْلُ
الصَّحَابَةِ: لَا نُقِيلُكَ وَلَا نَسْتَقِيلُكَ، قَدَّمَكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا فَمَنْ ذَا يُؤَخِّرُكَ! رَضِيَكَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا فَلَا نَرْضَاكَ!
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لَأَنْكَرَتِ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ
عَلَيْهِ وَلَقَالَتْ لَهُ: لَيْسَ لَكَ أَنْ تَقُولَ هَذَا، وَلَيْسَ لَكَ أَنْ
تَفْعَلَهُ. فَلَمَّا أَقَرَّتْهُ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ
لِلْإِمَامِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ نَاظِرٌ لِلْغَيْبِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَاكِمِ، وَالْوَكِيلِ إِذَا عَزَلَ
نَفْسَهُ. فَإِنَّ الْإِمَامَ هُوَ وَكِيلُ الْأُمَّةِ وَنَائِبٌ عَنْهَا،
وَلَمَّا اتُّفِقَ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْحَاكِمَ وَجَمِيعَ مَنْ نَابَ عن
غيره في شي لَهُ أَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ يَجِبُ أَنْ
يَكُونَ مِثْلَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: إِذَا انْعَقَدَتِ
الْإِمَامَةُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ أَوْ بِوَاحِدٍ عَلَى مَا
تَقَدَّمَ وَجَبَ عَلَى النَّاسِ كَافَّةً مُبَايَعَتُهُ عَلَى السَّمْعِ
وَالطَّاعَةِ، وَإِقَامَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَنْ تَأَبَّى عَنِ الْبَيْعَةِ لِعُذْرٍ عُذِرَ، وَمَنْ
تَأَبَّى لِغَيْرِ عُذْرٍ جُبِرَ وَقُهِرَ، لِئَلَّا تَفْتَرِقَ كَلِمَةُ
الْمُسْلِمِينَ. وَإِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَالْخَلِيفَةُ الْأَوَّلُ
وَقُتِلَ الْآخَرُ، وَاخْتُلِفَ فِي قَتْلِهِ هَلْ هُوَ مَحْسُوسٌ أَوْ مَعْنًى
فَيَكُونُ عَزْلُهُ قَتْلَهُ وَمَوْتَهُ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ
فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا) . رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْرَجَهُ
مسلم.
1/273
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: (وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا
فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنَ اسْتَطَاعَ
فَإِنْ جَاءَ آخر ينازعه فاضربوه عُنُقَ الْآخَرِ) . رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا،
وَمِنْ حَدِيثِ عَرْفَجَةَ: (فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ) .
وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى مَنْعِ إِقَامَةِ إِمَامَيْنِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ
يُؤَدِّي إِلَى النِّفَاقِ وَالْمُخَالَفَةِ وَالشِّقَاقِ وَحُدُوثِ الْفِتَنِ
وَزَوَالِ النِّعَمِ، لَكِنْ إِنْ تَبَاعَدَتِ الْأَقْطَارُ وَتَبَايَنَتْ
كَالْأَنْدَلُسِ وَخُرَاسَانَ جَازَ ذَلِكَ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: لَوْ خَرَجَ خَارِجِيٌّ عَلَى
إِمَامٍ مَعْرُوفِ الْعَدَالَةِ وَجَبَ عَلَى النَّاسِ جِهَادُهُ، فَإِنْ كَانَ
الْإِمَامُ فَاسِقًا وَالْخَارِجِيُّ مُظْهِرٌ لِلْعَدْلِ لَمْ يَنْبَغِ لِلنَّاسِ
أَنْ يُسْرِعُوا إِلَى نُصْرَةِ الْخَارِجِيِّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ فِيمَا
يُظْهِرُ مِنَ الْعَدْلِ، أَوْ تَتَّفِقَ كَلِمَةُ الْجَمَاعَةِ عَلَى خَلْعِ
الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ طَلَبَ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ أَظْهَرَ
مِنْ نَفْسِهِ الصَّلَاحَ حَتَّى إِذَا تَمَكَّنَ رَجَعَ إِلَى عَادَتِهِ مِنْ
خِلَافِ مَا أَظْهَرَ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: فَأَمَّا إِقَامَةُ إِمَامَيْنِ
أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَبَلَدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا
لِمَا ذَكَرْنَا. قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي: ذَهَبَ أَصْحَابُنَا إِلَى
مَنْعِ عَقْدِ الْإِمَامَةِ لِشَخْصَيْنِ فِي طَرَفَيِ الْعَالَمِ، ثُمَّ قَالُوا:
لَوِ اتَّفَقَ عَقْدُ الْإِمَامَةِ لِشَخْصَيْنِ نُزِّلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ
تَزْوِيجِ وَلِيَّيْنِ امْرَأَةً وَاحِدَةً مِنْ زَوْجَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ
يَشْعُرَ أَحَدُهُمَا بِعَقْدِ الْآخَرِ. قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ أَنَّ
عَقْدَ الْإِمَامَةِ لِشَخْصَيْنِ فِي صُقْعٍ وَاحِدٍ مُتَضَايِقِ الْخِطَطِ
وَالْمَخَالِيفِ غَيْرُ جَائِزٍ وَقَدْ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا إِذَا بَعُدَ الْمَدَى وَتَخَلَّلَ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ شُسُوعُ
النَّوَى فَلِلِاحْتِمَالِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ الْقَوَاطِعِ.
وَكَانَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ يُجَوِّزُ ذَلِكَ فِي إِقْلِيمَيْنِ
مُتَبَاعِدَيْنِ غَايَةَ التَّبَاعُدِ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ حُقُوقُ النَّاسِ
وَأَحْكَامُهُمْ. وَذَهَبَتِ الْكَرَّامِيَّةُ إِلَى جَوَازِ نَصْبِ إِمَامَيْنِ
مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَيَلْزَمُهُمْ إِجَازَةُ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ،
وَصَارُوا إِلَى أَنَّ عَلِيًّا وَمُعَاوِيَةَ كَانَا إِمَامَيْنِ. قَالُوا:
وَإِذَا كَانَا اثْنَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ أَوْ نَاحِيَتَيْنِ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا أَقْوَمَ بِمَا فِي يَدَيْهِ وَأَضْبَطَ لِمَا يليه، ولأنه
1/274
لَمَّا جَازَ بَعْثَةُ نَبِيَّيْنِ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ وَلَمْ يُؤَدِّ
ذَلِكَ إِلَى إِبْطَالِ النُّبُوَّةِ كَانَتِ الامامة أولى، ولا تؤدي ذَلِكَ إِلَى
إِبْطَالِ الْإِمَامَةِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَوْلَا مَنْعُ
الشَّرْعِ مِنْهُ، لِقَوْلِهِ: (فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا) وَلِأَنَّ
الْأُمَّةَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَدَّعِ الْإِمَامَةَ
لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا ادَّعَى وِلَايَةَ الشَّامِ بِتَوْلِيَةِ مَنْ قَبْلَهُ
مِنَ الْأَئِمَّةِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فِي
عَصْرِهِمَا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَحَدُهُمَا، وَلَا قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي
إِمَامٌ وَمُخَالِفِي إِمَامٌ. فَإِنْ قَالُوا: الْعَقْلُ لَا يُحِيلُ ذَلِكَ
وَلَيْسَ فِي السَّمْعِ مَا يمنع منه. وقلنا: أَقْوَى السَّمْعِ الْإِجْمَاعُ،
وَقَدْ وُجِدَ عَلَى الْمَنْعِ